سر نجاح الملك

سر نجاح الملك

       في صباح أحد الأيام كان الأسد ملك الغابة يجلس كعادته بين رعيته من الأسود أصحاب المظالم ليقضي بينهم كل في شكواه و إذا به يتصبب عرقا و ما لبث أن أصيب بحالة إغماء فقام معاونيه من الاسود الأقوياء المسؤولين عن حمايته بحمله و نقله إلى قصره العظيم و إنقلبت المملكة رأسا على عقب فمنهم من يجري طلبا للأطباء و منهم من جاب المملكة شرقا و غربا بحثا عن شبل و شبلون إبنيّ الملك ومنهم من يزأر ألما على ما ألم بمليكهم العادل و في هذه الأثناء بدأ الملك في إسترداد وعييه شيئا فشيئا و بدأت عينية تدوران في المكان في محاولة حثيثة للخروج من هذا الكابوس الذي داهمه و بدون استئذان و جاء شبل و شبلون في لهفة و قلق على ملكهم و والدهم الغالي و إذا بالطبيب يخبرهم بأن المملكة ليس بها علاج لمرض الملك ويشير عليهم بضرورة انتقاله إلى غابة أشتهرت بالاطباء البارعيين و لديهم مستشفيات عظيمة و فيها يلقى الملك كل عناية و اهتمام و بها طبيب متخصص في علاج مرض الملك ... أصيب الشبلين بصدمة عظيمة عند سماع كلام الطبيب و بدأت الأفكار تتزاحم على رأسيهما فيفكر شبل في حال والده الذي كان يحميه و لم يفكر يوما أنه سيفقده و هو من كان يتحمل عنه كل المسؤوليات فهو لا يجيد شئ إلا العزله في عرينه مع الكتاب و القلم فهو لا يعرف غيرهما فكيف سيعيش في هذه الغابة الفسيحة و كيف سيواجه الوحوش المفترسة التي لا تتجرأ على إيذائه خوفا من بطش الأسد الملك و ... و ظلت الخواطر و الافكار و الهواجس تتبادر إلى ذهنه و لا يستطيع إيقافها .... على الجانب اللآخر كان شبلون يتنازعه قلق مزدوج قلق على حال والده الذي داهمه المرض فجأة مع احتمال غيابه عن المملكه في رحلة للعلاج لا يعلم مدتها و سريعا يتبادر الى ذهنه سؤال كيف ستسير الأمور في إدارة المملكة و .....؟ بينما كانت كل هذه الاحداث سريعة و متتالية الا ان اللحظات كانت تسير بطئية و ثقيلة و كأنها دهر... و إذا بصوت الأسد الملك يقطع هذا الصمت المخيم على المكان مناديا على ابنيه طالبا منهم الاقتراب منه و ضرورة الاستماع اليه و الانتباه لما يقول... و أسرعا إليه ملبين النداء في لهفة و انتباه و تقدير لخطورة الموقف فإذا بالملك يخبرهما أنه سمع كلام الطبيب و ما أشار به من ضرورة الانتقال الى المستشفى و بدا على الملك الاب الاعياء و التعب من الكلام و في محاولة يائسة من الابناء حاولا اقناعه بالتوقف عن الكلام حرصا على صحته و لكنه رفض و أصر على ضرورة مواصلة كلامه و كأنه يسابق الزمن من أجل تسليم ابنائه الامانة التي في عنقه و هنا لم يكن في مقدور الابناء سوى الصمت و الانتباه لكل كلمة دون مقاطعة او تعقيب .... و بدأ الملك يوصي ابنائه بالمملكه لحين عودته و يقول أنا أعلم أن المسؤولية عظيمة و لا يستطيع أحدكما القيام بها وحيدا دون الأخر فلذلك عليكما أن تضعا أيديكما في يد بعضيكما لكى تديرا المملكة و تحافظا على ترابط أطرافها من أى عدوان .... و فجأة صمت الملك و بدأ يغيب عن الوعي و لا يدرك من حوله فأشار الطبيب بضرورة نقله فورا للعلاج و جاءت الأسود ذات الأجسام القوية   بالحامل ثم حملت الملك الى مقر العلاج حيث الطبيب المتخصص ....      
و جلس الأخوان في القصر الكبير يتشاوران في كيفية إدارة شؤون المملكة فقال شبل أنا لا أعرف غير العرين و الكتاب و القلم و لا أعلم شئ عن شؤون الرعية ما رأيك يا أخي أتركني لما أجيد و أفعل ما تريد فرد شبلون قائلا : ماذا تقول ؟ إنها و صية الملك الأب كيف تفكر فيها بما تحب و تكره ؟ أنت لا تملك إلا أن تطيع الملك و تتحمل مسؤوليتك نحو المملكة !! و إذا به يزأر عندما سمع كلمة مسؤولية و يقول مسؤولية أنا لم أعرف في حياتي شئ بهذا الأسم و لماذا لا يتحمل كل أسد في المملكة مسؤوليته و يأخذ حقه بنفسه و يهتم بشؤونه الخاصة لماذا نحن الذين نتحمل عنهم حل مشاكلهم و قضاء حوائجهم ... هم الذين عليهم خدمتنا و حمايتنا و رعاية مصالحنا فنحن الملوك نحن... و هم خدم لدينا ثم ترك المجلس و أنصرف الى عرينه لا يعبأ بما تؤول إليه أحوال المملكة .... جلس شبلون يفكر في كلام أخيه و يعلو وجهه الآسى على والده و ما يمكن أن تؤول إليه أحوال الرعية إذا ما تركها لحال سبيلها كما ذكر أخيه و لكن ما هو الحل ؟
و خرج من القصر مسرعا و كأنه يريد أن يخرج من هذا الكابوس المزعج ... و أخذ يجوب الغابة شرقا و غربا حتى أنهكه التعب فنام على سفح الجبل و إذا به يستيقظ على ضوء الشمس الذي بدأت تنتشر أشعته في أنحاء الغابة ووقف ينظر من فوق سفح الجبل و يجوب بعينيه أنحاء الغابة و هو يحدث نفسه قائلا صدقت يا ابي ان المسؤولية صعبة و لا يستطيع تحملها واحد بمفرده ... و اخذ يتسأل و لكنك يا أبي لم تقل لي كيف تدار شؤون المملكة اذا تخلى عني اخي ثم تابع السير عائدا الى القصر الكبير تتنازعه الافكار و المشاعر المختلطة ما بين الحزن و القلق و إذا بصوت مرتفع ينادي عليه في لهفه و الم فالتفت إلى مصدر الصوت و إذا به يرى أمامه أسد عجوز و جريح يبكي و يتألم من ظلم أحد جيرانه من الاسود الاقوياء الذي يريد ان يطرده من عرينه ليأخذه لنفسه فقال و هو يتألم و يبكي لجأت الى مجلس القضاء حيث الاسد الملك ليقضي لي بالحق و لكنني لم اجده و علمت بما حدث له بالأمس فمن لي يمنحني حقي و أنا العجوز الضعيف أمام هذا الجبار الظالم....؟و صمت شبلون برهة يتمتم بكلام غير مفهوم و كأنه يحدث أخيه و يقول في نفسه فكيف لهذا العجوز يا أخي يأخذ حقه بنفسه أو أن يتحمل أعباء حياته بمفرده بدون مساعد او من يسعى على قضاء شؤونه...؟ و انطلق معه مسرعا يطوي الطريق طيا بحثا عن هذا الظالم المتجبر و أستمع إليه ثم أخذ الحق منه و أعاد الاسد الجريح الى بيته و طلب له الطبيب و اوصى له بخادم من خدم قصره العظيم ليقوم على رعاية شؤونه الخاصة .... و اتجه الى شرفة القصر المطلة على ساحة القصر الفسيحة المنتشر بها الاشجار و تتوسطها نافورة عظيمة و تأمل المكان ثم جال بخاطره كيف أسعد بهذا الجمال و النعيم و هناك مريض لا يجد من يمرضه أو عجوز لا يجد من يرعاه أو .... وإذا بصوت الخادم يقطع عليه خلوته مناديا الغداء جاهز... و إذا به ينظر الى المائدة ليجد المائدة يفترشها ما لذ و طاب من الطعام ...فعاد الى شروده مرة ثانية و هو يحدث نفسه قائلا كيف أهنأ بكل هذه المأكولات اللذيذة و هناك جائع .... و إذا به يهب من مقعده واقفا انا لن اتخلى عن رعيتي تى لو تخلى عني اخي فسأستعين بألف أخ من الرعية و لكن لن أترك الغابة للخراب و الدمار .....
وبدأ شبلون يجوب أطراف الغابة سعيا على بيت بيت يتعرف على إحتياجات الرعية و يدونها عنده فهو كان من أهل العلم و لكنه كان يتعلم ما ينفعه في عمله من خدمة الرعية و قضاء حوائج أبناء غابته و هكذا يسير بين الرعية نهارا يستمع اليهم و يقضي لهم ما استطاع من حوائجهم و في المساء يجتمع بمجلس الحكماء و العلماء لكى يطرح عليهم مشاكل القرية ليتناقشوا فيها و يشيروا عليه بما يرونه حل مناسب للمشكلة و هكذا الى ان وجدوا ان هناك مشكلات ليس لها حل في المملكة و هى عدم وجود مستشفيات و لذلك عدد الوفيات من الامراض في تزايد مستمر و مشكلة التعليم الجهل منتشر في أنحاء المملكة و يحتاج لإصلاح .....
و من هنا بدأ شبلون في التفكير في كيف القضاء على هاتين المشكلتين ووجد انه لابد ان يبدأ بمشكلة التعليم فهو القضية الرئيسية و من خلالها يوفر الاطباء و غيرهم من المهارات المختلفة..... و أتخذ شبلون قرار بضرورة التعاقد مع طبيب بارع من خارج المملكة لكي يعلم مجموعة من الاسود الاذكياء و الذين لديهم الرغبة في تعلم هذا العلم و التقى بهذه المجموعة المرشحة لهذه المهمه و انتقى منهم افضلهم و اذكاهم و في مقابلة مع الطبيب المتخصص طلب منه ضرورة تأهيل هذه المجموعة في فترة لا تتجاوز العام مع تعليمهم فنون تعليم الاخرين لكى يستمر توارث هذا العلم في المملكة و لا يندثر منها و شد على يديه بأهمية الكفأة و الاتقان و ذكره بأن المملكة رصدت لهذا الامر من المال و الكفاءات أفضل ما تملك فلن يقبل أى تقصير و أكد عليه الطبيب ان يعتبر الامر منفذ في التاريخ المحدد
و انشاء مدرسة للتدريب للأشبال على فنون الدفاع عن انفسهم و الاختباء و الهجوم لكي يشكل منهم جيش قوي للدفاع عن المملكة
والتقى في نهاية الاسبوع بمجلس الحكماء و اشار عليهم ان يرشحوا له مجموعة من الحكماء لكى يقوموا بتولي امور القضاء و الفصل بين ابناء المملكة بالعدل و مجموعة من الحكماء المتميزين بالدهاء و العلم بشؤون الممالك المجاورة من أجل إبرام معاهدات معهم حتى يأمنوا مكرهم في أثناء غياب الملك الاب
و مرت الايام و عاد الملك الاب من مشفاه الى قصره الفاخر و استقبله الرعية الاستقبال الذي يليق بعودة الملك العادل فأفترشت المملكة الزهورو الانوار و الزينة فصارت مضيئة ضوء النهار و كان شبل و شبلون في استقبال الملك و تعلو وجوههم الفرحة و البشر بعودة الملك الاب جلس الاب على كرسي العرش يستقبل المهنئين و يتسلم الهدايا و يتبادل معهم كلمات الترحيب و الدعوات له بتمام الصحة و العافية و طول العمر و استمر الحفل الى ساعات الصباح الاولى .... في الصباح استيقظ الملك مبكرا كعادته و اجتمع بأبنيه شبل و شبلون و أخذ يسأل عن أحوالهم و ما حدث لهم و للملكة في اثناء غيابه عن المملكة فأجاب شبل بعد مقدمة رائعة من الترحيب بالملك و الحديث الراقي المختار بعناية فائقة انا يا ايها الملك العظيم ازدادت مكتبتي اضعاف اضعاف ما كانت عليه و ألفت الكثير من المؤلفات العظيمة ... و هنا استوقفه الملك قائلا هذه اخبار عظيمة و كيف افدت افراد الرعية بهذا العلم ؟ قال شبل لا أفهم السؤال ! أعاد الملك السؤال مرة أخرى يا بني كل ما ذكرته انت الوحيد المستفيد منه ما هى الفائدة التي عادت على المملكة ؟ هل علمت مجموعة من العلماء كم من أفراد الرعية استفادوا من كتبك هل نشرتها بينهم حتى يستفيدوا من العلم المدون بها..............!!! يبدوا أن الاسئلة كانت مفاجئة له فلم يرد بل سكت لحظات ثم أجاب بلهفة و كأنه وجد الاجابة الشافية افدت المملكة بنفسي فعندما يحتاج احد افراد الرعية لفهم امر لم يفهمه يلجأ اليّ فأرشده الى المعنى الصحيح او الى الفعل الصائب و هنا ضحك الملك بصوت مرتفع كاد ان يزلزل القصر الكبير و قال كيف ترشد الآخرين للفعل الصائب و انت بمعزل عنهم؟ ...... و تسأل متعجبا ترشد الاخرين و انت لا تعلم مكانك الذي تعيش فيه الفعل الصائب يا بنى لا يدركه الا من احاط بزمانه و مكانه و طبائع افراده لكى يفعل الفعل المناسب في الوقت المناسب مع الشخص المناسب و انت لا تملك الفعل و لا تملك العلم بالمكان و لا تملك المجتمع الذي تستقي منه الخبرات التي تثقلك يأسفني ان أقول لك انت صنعت نفسك و لم تصنع شئ لغيرك يا بني انت ملك و مقياس نجاح الملك بما قدم لرعيته لا بما قدم لنفسه
و التفت الي شبلون متسائلا: ماذا لديك يا شبلون؟
فقال شبلون ايها الملك العظيم انا لا اجيد فن الكلام و لكنني اريدك تنطلق معي في المملكة لكى ترى بعينيك و تسمع بأذنك و انطلق الملك فوجد المستشفى و الاطباء و دار للتعليم و معلمين و مجلس القضاء يديره القضاة المتخصصين و جيش من الاسود القوية المدربة على اعلى مستوى و مجموعة من أهل الحكم و السياسة المميزين أبرموا المعاهدات و حافظوا على حدود المملكة من اى مغتصب تسول له نفسه الهجوم على الحدود الملكية و سمع من الرعية كيف قدم لهم شبلون يد العون و المساعدة و قضى عنهم حوائجهم ففرح الملك و أعلن مبتهجا هذا هو الملك ........ هذا هو الملك   
بقلم |امل صبري
http://kzafkra.blogspot.com

0 لأضافة تعليقات:

إرسال تعليق