الهوى السياسي لا القانون – فهمي هويدي

صحيفة الرؤية الكويتيه
  الهوى السياسي لا القانون – فهمي هويدي

 حين أفتى مجلس الدولة ببطلان تعيين الدكتور محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان السابق في منصب رئيس شركة خدمات البترول البحرية، لم تمض أيام حتى تقرر إعفاء الرجل من منصبه، وتمت مطالبته برد المبالغ التى تقاضاها من الشركة منذ تعيينه قبل سبعة أشهر.

لكن حين أصدرت المحكمة الإدارية العليا فى ذات الوقت قرارها بشأن السماح للطالبات المنتقبات بأداء الامتحانات الجامعية، فإن وزارة التعليم العالي والجامعات تمنعت، واعتبرت أن الحكم يخص فقط الطالبات اللاتي رفعن القضية، ولا يفيد المنتقبات الأخريات، وهو ما أدى إلى حرمان نحو 110 طالبات من دخول امتحانات نصف السنة.

تستوقفنا المفارقة، لأن فتوى مجلس الدولة استشارية ولا تلزم الجهة التي طلبتها. بمعنى أنها إذا لم تلتزم بها فإنها تعد فقط مخالفة للقانون، ولكن ذلك لا يرتب جزاء عقابيا بحقها.
في حين أن حكم المحكمة الإدارية العليا ملزم، وعدم تنفيذه يعرض المسؤول الممتنع عن التنفيذ لعقوبة الحبس.

صحيح أن وزارة التعليم العالي التزمت بحرفية القانون حين تمسكت بمنع بقية المنتقبات اللاتي لم يشتركن في رفع القضية من أداء الامتحانات. إلا أن موقفها في هذه الحالة اتسم بالتعنت وسوء استعمال الحق.

وعلى حد تعبير المستشار طارق البشري النائب السابق لرئيس مجلس الدولة، فقد كان المتوقع من الحكومة التي يفترض أنها خصم شريف أن تعمم المبدأ وتمتثل لحكم الإدارية العليا، بحيث تسمح لبقية المنتقبات بدخول الامتحانات،
وفى رأيه أن اللاتي حرمن من أداء الامتحانات بسبب التعنت الوزاري لهن الحق في مطالبة الوزارة بالتعويض عن الضرر الذي لحق بهن جراء المنع.

أثارت انتباهي المفارقة التي تمثلت في مسارعة الحكومة إلى تنفيذ قرار غير ملزم بحق وزير سابق.
وهو أمر غير مألوف، وتلكؤها وتعنتها في تنفيذ قرار ملزم لمصلحة المنتقبات، على نحو أدى إلى حرمان أكثر من مائة طالبة جامعية من دخول امتحانات نصف العام، ومن ثم الإضرار بمستقبلهن الدراسي.


لأول وهلة فإن المفارقة تبعث على الحيرة والدهشة، لأن الوزير السابق كان معروفا بأنه ابن مدلل للنظام وعلى صلة وثيقة بأركانه استفاد منها الطرفان، وأنه كان طوال الوقت وحتى بعد خروجه من الوزارة محلا للرعاية والتكريم، إذ منح وساما تقديرا له،
كما أنه ظل قريبا من الدوائر العليا صاحبة القرار، وكان بين المدعوين لأكثر من مناسبة اجتماعية لأولئك الأكابر.

التفسير البريء في هذه الحالة ليس مقنعا. بمعنى أننا لا نستطيع القول إن الإجراء الذي اتخذ بإعفاء صاحبنا من منصبه إنما جاء التزاما بفتوى مجلس الدولة وتصحيحا لوضع ثبتت مخالفته للقانون،
ذلك أن لنا خبرة طويلة في هذا الصدد تعلمنا منها أن تنفيذ مثل هذه الفتاوى لا يتم إلا إذا كانت موافقة للهوى السياسي، تماما كما أن تلكؤ وزارة التعليم العالي وتعنتها إزاء الالتزام بحكم واجب التنفيذ لا يتم إلا استجابة للهوى السياسي.
ورجال مجلس الدولة ورجال القانون والقضاء في مصر هم أكثر الناس إدراكا لحقيقة أن السياسة وليس القانون هي صاحبة القول الفصل في هذه الأمور.

إذا صح هذا التحليل، الذي استند فيه إلى عديد من الشواهد والوقائع الأخرى، فإنه يستدعي السؤال التالي:
ما الذي حدث في دوائر القرار السياسي وأدى إلى قلب صفحة الابن المدلل، وفضحه وملاحقته بالقانون؟
لا أؤيد ما يشيعه البعض من أن اتهامات الرجل بالفساد كانت وراء الانقلاب عليه، لأن تهم الفساد تلاحقه منذ الأسبوع الأول لتوليه الوزارة، حتى إن أحد العاملين في جهاز الرقابة قال لي إنه بدأ يمارس أنشطته تلك في مساء اليوم الأول لجلوسه على مكتب وزارة الإسكان!

ليس لدي علم بما جرى بالضبط، لكن ما استطيع قوله إن ملف الرجل فتح حين رفع عنه الرضا. الأمر الذي استتبع رفع الحماية والحصانة التي أحيط بها طوال السنوات التي خلت،
وظني أنها ليست نهاية القصة لكنها قد تكون بداية لقصة جديدة.
.....................

0 لأضافة تعليقات:

إرسال تعليق