من رسائل الإسراء و المعراج


من رسائل الإسراء و المعراج
بقلم /امل صبري
           تعد حادثه الإسراء والمعراج من أهم الحادثات في حياة الرسالة المحمدية التي تحمل من الرسائل الحركية للأمة الإسلامية الكثير وإن كانت حكمتها المباشرة موجه إلي شخص الرسول صلي الله عليه وسلم
قال تعالي :" ":سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(سورة الاسراء                                   
فهي رسائل نابعة من إقتراب نهاية رحلة الآلام والأحزان المتلاحقة في المجتمع المكي في عمر الدعوة إلي الله إلي زمن الإنتصارات الذي ربما يتخلله بعض الأحزان ولكن سمته الرئيسية هي النصر والتقدم إلي عالمية الدعوة ونشر منهج الله علي الأرض فهي بمثابة نقطة العبور من زمن إلي زمن ودائما تكون نقطة العبور هي مرحلة حساسة في أي مرحلة إنتقالية من عهد إلي عهد ولذلك تحتاج إلي عدة وعتاد قوي وأهم ما فيها هو الحالة المعنوية وجاهزية التخطيط و صحة الإعتقاد في الفكرة المراد نشرها ولذلك من أهم سيماتها  "التحدي" ...تحدي الواقع الأليم إلي إقرار واقع سليم يحمل للبشرية الخير والعدالة ويحمل لهم إنسانيتهم... وأهم ما يعود بالإنسان إلي انسانيته هو عودته إلي التخلص من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد كما أراد رب العباد لعباده من عبادة في كل حياة الإنسان الإعتقاديه والتعبدية والسلوكية و.....وهنا تكون العبادة نمط حياة وليست جزء من ممارسة الحياة محصورة في علاقته التعبدية فقط .
وكانت معجزة الإسراء والمعراج و ما تحمله من رسائل للرسول و للأمة الإسلامية على مر العصور :-
1-                        رسائل خاصة بالرسول صلي الله عليه وسلم و خاصة في قيادة مرحلة التحدي
1- التكريم والتثبيت
وكان ذلك من خلال رؤيه ملكوت الله سبحانه وتعالي فلقد كرم الله عز وجل رسوله صلي الله عليه وسلم بصعوده إلي أعلي مكان في السماء لا يستطيع أن يصل إليه حتي جبريل عليه السلام ليملاء الله قلبه بالثقه والطمأنينه حتي يستطيع قيادة مرحلة التحدي ضد المشركين ليهاجم سلطانهم ويخرج بالدعوة من مكه إلي المدينة كخطوة علي طريق عالمية الدعوة التي اقرها القرآن منذ بداية العهد المكي قال تعالى:"  وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( 28 سبأ
2-                        تحديد مكانة الرسول صلي الله عليه وسلم بين أبآئه و إخوانه من الأنبياء...فهي لحظة تأكيد و إقرار للنسب الذي يربط بينه و بين الأنبياء فالعقيده واحدة والبناء واحد والرب واحد و مكان العمل واحد "الأرض"... كلهم يعملون من اجل غاية هى الغاية الخالدة "توحيد العبادة لله لا شريك له"
3- الصلاة
الصلاه لها  ما لها من المكانة العظيمة في الإسلام فهى الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين
فكانت بداية رحلة الإسراء و المعراج بصلاة الرسول صلى الله عليه و سلم إماما للأنبياء والمرسلين ثم تنتهي الرحله بفرض الصلاه علي المسلمين وكانت وصيه الرسول صلي الله عليه وسلم قبل وفاته "الصلاة"  لما لها من اثر تعبدي علي الإنسان وأثر اخلاقي و كفي بها أنها الصله التي تربط الإنسان بربه في حاله من المتابعه والمراجعه لأفعاله واقواله اليومية والتوبة إلي الله
3- الرباط  الأبدي بين المسجد الحرام و المسجد الاقصي
 يظل كل مسلم إلي يوم القيامة يردد عند قراءة القراءن قوله تعالى":سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ(سورة الاسراء                                   
في إشارة ربانية إلى أن الرابط بين المسجد الأقصي والمسجد الحرام ليس رابط مكاني فحسب وإنما هو رابط عقيدة واحدة لأمه واحده يظل الأقصي في قلبها و فكرها أبد الدهر لا تفريط فيه علي مر الزمان فهو رباط بين المكانين علي مر الزمان وتتابع الأجيال بآي القراءن أقدس كتاب علي وجه الأرض كلمة الله ورسالته الأخيرة إلي أبناء الرسالة الخاتمة و البشرية جمعاء
2- رسائل خاصه بالصحابة الكرام
1-   التمحيص
 تعني  التنقية والتخليص من الشوائب وهنا نسأل هل يمكن أن يقع تساقط بين الجماعه المؤمنه في لحظه التكريم والتثبيت لقيادتهم ؟
نقول نعم , يمكن أن يحدث ذلك وإلا لما كانت لحظه تمحيص.... ولكنها لحظه تمحيص خفيه فالناس اعتادت أن لحظه التمحيص تكون بالإبتلاء المؤلم , فتنتبه ... ولكن هناك لحظة إبتلاء خفية... إبتلاء النعم... وعندما تفتح الدنيا فهي فتنه أكبر فكانت هذه الحادثه فتنة  لبعض الصحابه
فأرتد ناس ممن كانو آمنوا بالرسول صلى الله عليه و سلم  وصدقوه وسعو بذلك إلي أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقالوا :هل لك إلي صاحبك يزعم أنه اسري به الليلة إلي بيت المقدس .
قال : أوقال ذلك . قالوا : نعم . قال : لئن قال ذلك لقد صدق . قالو : أو تصدق أنه ذهب الليلة إلي بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟
قال : نعم . إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك اصدقه بخبر السماء في غدوه و روحه  فلذلك سمي ابو بكر الصديق ( المستدرك(3\62) قال الحاكم هذا الحدسث صحيح الاسناد و اقره الذهبي )
2-  التهيئه و الترغيب في الجهاد في سبيل الله
و كانت هذه التهيئة في وقت لم يؤمر المسلمون فيه بعد بالجهاد حيث أن الأمر بالجهاد كان في المدينة ولكن تهيئة و ترغيب المجتمع في هذا الأمر الشاق على النفس البشرية كان من رسائل الإسراء و المعراج على طريق التمهيد للمؤمنين و ترغيبهم في قبول حكم الله بالجهاد عندما تحتاج إليه الأمة و هو الذي يتعارض مع حب النفوس للحياة ففي ليلة الإسراء و المعراج  مر الرسول صلى الله عليه و سلم على قوم يزرعون في يوم و يحصدون في يوم كلما حصدوا عادوا كما كان فأخبر جبريل"هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنات بسبعمائة ضعفو ما انفقوا من شئ فهو يخلف"السيرة النبوية لابي فارس 220
3-  رسائل إلي السائرين علي نهج الرسول صلي الله عليه و سلم
لم تخلو ليلة الإسراء و المعراج من ربط الأمة الإسلامية بأبنائها على مر الأجيال فهي رسالة عالمية في المكان و الزمان و للبشر جميعا و لذا لا نجد أي صغيرة و لا كبيرة في هذه الرسالة إلا ونجد لنا نحن اليوم فيها رسالة تنبهنا و تنصح لنا و لكن علينا أن نقرأ الرسالة لنسترشد بها و نحي بها حياتنا
1-             الصلاه
عندما انتهى النبي صلى الله عليه و سلم إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء ، فأمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم 
ثم عند الصعود إلى سدرة المنتهى قال صلى الله عليه و سلم : حتى انتهيت إلى ربي ، وفرضت علىّ خمسون صلاة كل يوم ، فرجعت فمررت على موسى بن عمران فقال : بما أمرت ؟ قلت : أمرت بخمسين صلاة كل يوم ، قال : إن الصلاة ثقيلة ، وإن أمتك ضعيفة ، فأرجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك . فرجعت فوضع عني عشراً ....وتكرر ذلك إلى أن أمرت بخمس صلوات كل يوم .... فمن أداهن منكم إيماناً بهن واحتساباً لهن ، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة 
رسالة تأكيد إلى المسلمين في كل زمان و مكان و على أى حال من الأحوال التي يمرون بها على عظم الصلاة في حياة المسلمين وعدم التفريط فيها فلقد بدأت بها رحلة تكريم و تثبيت نبي الأمة و انتهت بها كذلك الرحلة المباركة و أوصى بها الرسول عند وفاته "فلا مجال للتفريط"
2-            بعد كل محنه منحه
فالآلام كانت كثيرة و الضربات في جسد الدعوة لا تنتهي و لكن الله سميع عليم يعلم الخير لهذه الأمة و يهيئه لها مهما طال الزمان و لكن بشرط أن تظل الفئة المؤمنة العاملة على طريق سلفها الصالح سائرة دون ملل أو إستسلام مهما كانت ظلمة الطريق فالنصر آت لا محالة بإذن الله
3-            عدم التفريط في الأقصي
في العهد النبوي كان الأقصى يقع تحت حكم الرومان حتى تم تحريره في عهد الخليفة الثاني سيدنا عمر بن الخطاب و اليوم هو ينزف تحت وطئة الإحتلال اليهودي إلى أن يهيئ الله للأمة أمر رشدها و يحرره أبناء الأمة الإسلامية و يظل الأمل و العمل من أجل هذه العودة المنتظرة إن شاء الله
4-            رسالة تحذيرية للأمة من خلال الترهيب من الأمراض الإجتماعيه الفتاكه التي تفتك بأي أمه فتهلكها في الدنيا وينال فاعلها أشد العقاب في الآخره
1-                        الغيبة
راى رسول الله صلى الله عليه و سلم أناسا يأكلون الجيف فأخبره جبريل "هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس"الفتح الرباني للساعاتي (20/255) و قال صحيح إسناده الحافظ ابن كثير
    2- اكل مال اليتيم
 قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار ، يقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم ‏‏.‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء أكلة أمول اليتامى ظلما ‏‏.‏‏
3- الربا
قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون ، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يُعرضون على النار ، يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء أكلة الربا ‏‏.‏‏
4- الزنا
قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثـمين طيب ، إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون السمين الطيب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ، ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن ‏‏.‏‏ 
 الإسراء و المعراج اليوم
1-                         ما اشبه اليوم بالبارحة
نعيش الحياة اليوم بين عهدين عهد كانت من أبرز سماته الآلآم  و الأحزان و عهد يتسم بالحرية و الأفراح المقبلة فما أحوجنا إلي أن ننظر إلى حادثة الإسراء و المعراج من وجهها الأخر طبيعة المرحلة الإنتقالية بين عهدين و استقاء منها الدروس و العبر و تبني رحلة من التحدي ضد بالحركة و البيان المناسب لطبيعة المرحلة دون إفراط أو تفريط إلى أن يعم الخير على الأمة و تستعيد مكانتها بين الأمم و الله على ما يشاء قدير
2-                         الأقصي بعيد كما كان وقت الإسراء و المعراج  و يحتاج إلى من يخلصه من براثن اليهود و هذا لن يكون إلا إذا إستشعرت الأمة الإسلامية كلها عظم مسؤوليتها - من أجل تحرير الأقصى- التي أرشدهم الله إليها من خلال ربط القبلتين ببعضهما البعض في قرآن يتلى إلى يوم الدين
3-                        التمحيص بين الناس في لحظه الإنتقال بين عهدين سمة من سمات المراحل الانتقالية حتى و إن كان الإنتقال من حال سيئ إلى حال حسن و هذا ما نشاهده اليوم يتحرك بين أفراد الجماعات و القوى التي شاركت في التغيير من الحال السيئ إلى الحال الحسن
4- أسئلة كثيرة تطرحها علينا حادثة الإسراء و المعراج من أجل أن نتلمس سبيلنا إلى النهضة بأمتنا و من ثم الطريق إلى الله تعالى ...أين نحن من آداء الصلاه كما أرادها وأوصي بها الله ورسوله ؟ أين نحن من تقديرها و منزلتها الواجبة في النفوس؟ أين نحن من محاربة الأمراض الإجتماعية التي رهب الله منها و جعل عقابها اليم لكي تجتنبها الأمه و تنجو من عذاب اليم ؟
واخيراً .....
كانت الإسراء و المعراج بعدما اثقلت الرسول صلي الله عليه وسلم الآلآم و الأحمال فأشتعلت الأرض من حوله بالسهام الموجه إليه تثخن في الآلام المعنويه... فلقد توقف مد الدعوه في هذا الوقت ومات أقرب المناصرين و المحبين له (عمه و زوجته )
وكأن الله يخبره عن طريق الرؤيه المباشرة لملكوته العظيم أن لا تحزن يا محمد إن كان مات لك احبه تسري عنك فبقي لك الحبيب الأعظم وإن كانت الأرض اشتعلت من حولك لكي تقضي عليك فأنت في حمي القوي العظيم وإن انكر عليك البشر جميعاصلاحك و النبوة فلقد آقرها لك الله ..مالك الملك و الأنبياء الكرام أفضل البشر وإن كان عارضك الأهل والأقارب ووجدت منهم المرارة وسوء الخلق فلقد ابدلك الله بنسب خير من نسبهم.. نسب العقيده و الرسالة في الأرض و في السماء فماذا فقدت ؟ وكانت البداية التي لم تنتهي رحلتها في حياة الأمة الإسلامية... التحدي بقوه العقيده سرت في جسد الأمة الإسلامية إلي يوم القيامة جيل بعد جيل لا تمل ولا تهدأ إلا بتحقيق المراد من الرسالة "إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد " و حمل انوار الهداية و الخير للبشرية جمعاء

0 لأضافة تعليقات:

إرسال تعليق