شقاوة الحب

شقاوة الحب
    الحب ... كلمة لها وقع خاص جدا على مسامع كل إنسان و لها وقع أخص على البنات و الشباب و خاصة في هذه المرحلة العمرية التي تتفتح فيها مشاعر كل منهما نحو الآخر بحثا عن السعادة و اللذة التي يحققها أول لقاء و أول همسة حب و أول كلمة حب و... و لكن سرعان ما يتبدل الحلم و يتحول الى كابوس مخيف و إذا بالمحب لا يجد حبيبه الذي كان يملأ عليه الدنيا حبا و مرحا و سعادة يرحل عن عالمه و تتحقق سنة الله في الكون الفراق مصير هذا الحب و الامنية الغالية التي كثيرا ما يبحث عنها الانسان طلبا للسعادة اذا به من حيث طلب السعادة يحصد الشقاء قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: قال لي جبريل عليه السلام"يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت,و أحبب من شئت فإنك مفارقه,و اعمل ما شئت فإنك مجزى به" 
يقول الشافعي
و ما الدهر إلا هكذا فاصطبر له               رزية مال أو فراق حبيب
 و رغم هذا المصير المحتوم ينسى الناس هذا المصير الاليم في زحمة اللهفة لتحقيق الحلم الجميل و تمر الأيام و الأشهر و السنون و يدرك الانسان  انه لم يكن يبحث عن الحب لذاته بل كان يبحث عن السعادة التي يحققها الحب الذي في خياله و هى دوام الحب و كذلك السعادة و عندما يدرك ان وراء كل قصة حب ايضا قصة فراق سواء بالهجر أو أن تحب من لا يحبك أو العوائق التي تمنع إتمام السعادة بإجتماع المحبين
يقول الشافعي
و من الشقاوة ان  تحب          و من تحب يحب غيرك
او ان تريد الخير للإنــ          سان و هو يريد ضيرك 
و اذا نجا المحبين من كل هذه العوائق لا احد ينجو من الفراق الأكيد و الحتمي"الموت" و يتصارع الى ذهن المحبين الأسئلة... أين المخرج ؟ كيف نهرب من ألم الحب إلى لذته؟ و كيف يتحقق للحب الدوام و اصحابه من سماتهم الفناء؟
   من أراد أن يتصف حبه بصفة الدوام ربط حبه بمن تتصف ذاته بالدوام.... إنه الله و لا أحد غير الله حبيب يملك كل صفات المحبوب الكاملة و المحققة للسعادة !!!
فكل حبيب يتمنى صحبة حبيبه في الحضر و السفر و لكن هذا الحبيب يرافقك فيما هو أبعد من ذلك بكثير إنه يصحبك حتى في خلوتك و ازماتك الظاهرة و الباطنة و الرحيم بك عند الموت و في نومك و المدافع عنك في غيابك حتى و لو أجرى الدفاع عنك على لسان أعدائك ...يخفف عنك الألم وقت الإبتلاء إنه الحبيب اللطيف الخبير ....حبيب يعفو عن زلاتك و يتمنى لك العودة إليه دون بطش أو تعنيف إنه يحبك و يرعاك ... حبيب ينتظر عودتك في كل لحظة مع إنه ليس محتاج اليك... إنه يملك و يحكم و أنت فرد في ملكه و لكنه يحبك و ينتظرك على بساطة قدرك و عظم قدره...تسعد بحبه في رحلة الدنيا الفانية و تسعد أعظم سعادة بحبه في رحلة الخلود في الآخرة التي ينشغل فيها كل حبيب عن حبيبه...إلا هو... إنه الله الحبيب الأعظم
قال تعالى: "يوم يفر المرء من أخيه() و امه و ابيه() و صاحبته و بنيه() لكل امري منهم شأن يغنيه()"(34-37عبس) إنه كمال الحب في ظل الحبيب الباقي
هل هذا يعني أنه لا يمكن أن ينعم الإنسان بالحب البشري ؟
من أراد أن ينعم بالحب البشري عليه أن يربط حبه بنبعه الخالد حب الله فلا يحب وفقا لهواه بل يحب وفقا لضوابط الله فمن ربط حبه بالحبل الموصول لله ربط حبه برباط الأبدية دنيا و آخرة حتى و أن كان الحب يربط بين طرفين ليس بينهما صلة نسب أو مصلحة أو.........
و من لا يرتبط حبه بالرباط المقدس حب الله لا ينعم بالسعادة من جراء هذا الحب في الدنيا و لا بثمرة حبه في الآخرة حتى لو كان هذا الحب حب فطري كحب الأب لابنه فإن لم يكن في الله فمصيره الفراق و الشقاء
قال تعالى:
"و نادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي و إن وعدك الحق و أنت أحكم الحاكمين(45)قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين(46)هود
عندما يتحلى الآباء و الأبنا ء بالتقوى فيكون حبهم دائم في الحياة الدنيا و الآخرة
قال تعالى :
" والذين ءامنوا وأتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم و ما ألتناهم من عملهم من شئ كل امرئ بما كسب رهين(21)الطور
عندما يتجرد الحب بين الزوجين من صلاح كلاهما أو أحدهما  فمصيره الفراق في الدنيا و الآخرة
"ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح و امرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا و قيل ادخلا النارمع الداخلين"التحريم 10
عندما يتحلى الزوجين بالصلاح يظهر حبهما في التعاون على البر و التقوى في الدنيا و اللقاء في جنة الخلد يوم القيامة و لنا في رسول الله الأسوة الحسنة" فنراه شديد الود والوفاء للسيدة خديجة ـ رضي الله عنها ـ وحين ذكرها بعد وفاتها وبحضور إحدى صاحباتها، غارت من ذلك السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قائلة: وهل كانت إلا عجوزاً أبدلك الله خيرا منها؟! فرد قائلاً: لا والله ما أبدلني الله خيراً منها!، آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ووآستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء•• (1)"
عندما تكون الاخوة ليست في الله حتى و إن كانت إخوة دم فهى محكوم عليها بالفراق
قال تعالى"واتل عليهم نباء ابنى ءادم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما و لم يتقبل من الأخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين"27 المائدة
و عندما تكون الاخوة في الله حتى و لو لم يجمعهما الدم فهى متصلة في الدنيا و الاخرة
قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله - تعالى - يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي" رواه مسلم.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: "قال الله - عز وجل -: المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء" رواه الترمذي.
و اخيرا ...
هل شعرت يوما بحرارة لقاء المحبين في الصلاة او القيام؟ هل استمعت بأذن المحبين الى كلام الله و هو يخاطبك في القرآن الكريم؟ هل اقبلت على الله بلهفة المحبين بعد عودتك على متن طائرة التائبين العائدين من زمن الذنوب ؟ هل لمست الصدقة و عطرتها و انت ترسلها الى الفقراء و استشعرت انك تضعها في يد الله قبل يد الفقير ليحفظها لك و تفرح بها يوم اللقاء العظيم ؟ هل سترت إنسان طلبا للستر يوم العرض؟ هل احببت أخوك المسلم دون مصلحة بينكما او حاجة.....؟ هل خطبت خطيبتك على أساس الصلاح و بناء بيت جديد يقيم مبادئ الاسلام على الأرض؟ هل توددت إلى زوجتك و رحمتها طلبا لرضى الله ...؟هل ربيت اولادك على الصلاح ابتغاء مرضات الله؟ هل اكرمت جارك تلبيتة لوصية الرسول على الجار؟ئ إذا لم تكن ذقت حلاوة كل هذه المشاعر الجميلة النقية فأنت لم  تذق حلاوة الحب في حياتك و تحتاج فعلا أن تحب لتحقق السعادة الحقيقية و الأبدية اتمنى أن ينفتح قلبك للحب الحقيقي و نلتقي في الآخرة مع كل اهلنا في قافلة الحب الكبير... السابقين الى  الحبيب الأعظم من خلال حبه و الحب فيه رزقنا الله و اياكم حبه و حب من يحبه و حب كل عمل يقربنا اليه
الهوامش        
1)) راجع دار القومية العربية للطباعة 1970، خديجة بنت خويلد  ص181: عبد السلام العشري، ومحمد عبد الغني حسن  

0 لأضافة تعليقات:

إرسال تعليق