مَنْ الذى سلمَ من ألسنة الناس؟!

مَنْ الذى سلمَ من ألسنة الناس؟!
       قالوا قديما "رضا الناس غاية لا تدرك" و رغم ذلك يسعى البعض لكسب رضا الناس و يضعون هذا الرضا نصب اعينهم بل و أحيانا يعتبرونه مقياس للنجاح في بناء العلاقات و هذا أمر عجيب فلن تجد من يتفق عليه الناس جميعا فالناس أمزجة متغيرة بطبيعتها البشرية و ربما يتغير رأى الانسان الواحد من مرحلة الى مرحلة في حياته بل و احيانا وفقا لهدفه الذي يريده من الاخرين فيمدح من يبغضه لان له مصلحة معه و العكس صحيح و ربما لو انتقل من بيئة الى اخرى يتغير تقيمه للناس و للاشياء فكيف يبنى انسان خط سيره على من يتغير في افكاره و تقديراته لمن حوله و فقا لمقايسه الخاصة و المتغيرة... فكل صاحب منهج يرى ان خير المناهج منهجه و يريد ان يتبنى الاخرين منهجه... لن يتفق الناس على منهج بشري لانه لابد ان يعتريه القصور و النقص ... لو كان لابد ان يسلم احد من ألسنة الناس لكان الأحق بهذا خير البشر رسول الله صلى الله عليه و سلم حيث انه اجتمعت له كل الكمالات :كمال الخلق , الخلقة,المنهج ,الاستقامة على المنهج القويم المنزه عن النقص انه منهج رب
العالمين و مع ذلك لم يرضى عنه كل الناس
قال تعالى:
"و قالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الاسواق لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا (7)أو يلقى عليه كنز او تكون له جنة يأكل منها و قال الظالمون ان تتبعون الا رجلا مسحورا(8)" الفرقان
يقول صاحب الظلال
لقد اعترض القوم على بشرية الرسول فقالوا:" و قالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الاسواق لولا انزل اليه ملك فيكون معه نذيرا (7)"
و اعترضوا على حظه من المال فقالوا:" أو يلقى عليه كنز او تكون له جنة يأكل منها و...(8)
و اعترضوا على طريقة تنزيل القرآن فقالوا:"لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة"
ووقف الرسول يواجه هذا كله، وهو وحيد فريد مجرد من الجاه والمال، ملتزم حده مع ربه لا يقترح عليه شيئا، ولا يزيد على أن يتوجه إليه مبتغيا رضاه، ولا يحفل بشيء سواه:  "رب إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي. لك العتبى حتى ترضى " . من مناجاته لربه عقيب ما لقي في الطائف من أذى(انتهى كلام صاحب الظلال).
حتى بيت النبوة لم يسلم من ألسنة الناس في حديث الإفك
قال تعالى: أنزل الله عز وجل: ‏((إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(النور)
   قالت ‏‏عائشة ‏‏"وكان رسول الله ‏ ‏ ‏يسأل ‏‏زينب بنت جحش ‏عن أمري فقال يا‏ ‏زينب ‏ ‏ماذا علمت أو رأيت فقالت يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ما علمت إلا خيرا قالت وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله ‏ ‏ ‏فعصمها الله بالورع وطفقت ‏‏أختها ‏حمنة‏ ‏تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب ‏الإفك.
يقول الامام الشافعي:
و ما أحد من ألسن الناس  سالما   * * *   و  لو  أنه  ذاك  النبي  المطهر
فإن  كان  سكيتا  يقولون   أبكم(1) * * * و إن كان منطيقا(2) يقولون أهدر(3)
و إن كان صواما(4) و بالليل قائما  * * *  يقولون زراق(5) يرائي(6) و يمكر(7)
و لنا في رسول الله اسوة حسنة فكان لا يعبأ بالناس فهو يسير وفق منهج رباني لا يعرف غيره ما اتفق معه في اصوله و قواعده سار فيه و ان اختلف معه الناس جميعا فهو لا يعرف الا منهج واحد طاعة الله و السعى في تطبيق منهج الله في الارض و لو كان النبي صلى الله عليه وسلم توقف في حياته عن العمل للرد على كل سفيه ما استطاع ان يربي هذا الجيل العظيم و الفريد من الصحابه الاكارم الذين انشغلوا عن الكلام و القيل و القال بالعمل لله فكان هذا الانتشار الهائل للاسلام الذي من بين اسباب انتشاره الهامة القدوة في العدل و حسن الخلق في كل الحالات سواء في الاتفاق و الاختلاف أو السلم والحرب.... فلم يكن من بين اختياراتهم الانقطاع عن العمل لله حتى و لو للحظة لكى يلتفت فيها أحدهم الى السفيه و يرد عليه فالاولى عندهم بهذه اللحظة تعليم العلم النافع و الامر بالمعروف و ......
قال تعالى :
" وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما "(63)الفرقان
يقول الشافعي:
أعرض عن الجاهل السفيه          فكل   ما   قال   فهو   فيه
فما ضر بحر الفرات يوما          ان خاض بعض الكلاب فيه  
فالمرء العاقل,العامل وفقا لمنهج يرضي الله أشغله عمله عن الرد على المسئ .... كالنهر الجاري يسير نحو هدفه و يسقي الناس و الزرع ...و كالنحلة لا تستطيع ان تحترف عمل آخر غير إسعاد الناس و حمل الخير للجميع و إذا أخرجت تخرج ما فيه الشفاء للناس"العسل" و مهما اخذ الناس منها العسل لم نرى يوما نحلة تذمرت وتوقفت عن العمل... و على الجانب الآخر المسئ لا يستطيع ان يظهر الا ما يحمل في داخله من "الاساءة" للأخرين مثل الحية تحمل في أحشائها السم فعندما تفتح فمها ما عساها ان تخرج منه؟!!لا يخرج منه الا السم فهذا كل ما تملك فهل رأى أحدنا حية تخرج من فمها عسل!!! أو نحلة تخرج من بطنها سم!!! فكما قالوا كل إناء ينضح بما فيه ... فلا تكلف نفسك عناء الرد على المسئ و تذكر ان افضل الرد يكون في المزيد من العمل و الاجتهاد و حفظ اللسان
يقول الشافعي:
قل بما شئت في مسبة عرضي         فسكوتي عن اللئيم جواب
ما  أنا  عادم  الجواب  و لكن         ما من الُأسد أن تجيب الكلاب
الهوامش
(1)ابكم:عجز عن الكلام خلقة       (2) المنطيق:كثير الكلام          (3) أهدر:ردد صوته في حنجرته
(4) الصوام: كثير الصوم (5) الزراق:الأعمى  (6) يرائي: يداهن و ينافق   (7) يمكر:يحتال و يخادع

*امل صبري  http://kzafkra.blogspot.com


0 لأضافة تعليقات:

إرسال تعليق